فصل: الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة.

كان غمارة هؤلاء عريقين في الجاهلية بل الجهالة والبعد عن الشرائع بالبداوة والانتباذ عن مواطن الخير وتنبأ فيهم من مجكسة حاميم بن من الله بن جرير بن عمر بن رحفو بن آزوال بن مجكسة يكنى أبا محمد وأبوه خلف تنبأ سنة ثلاث عشرة وثلثمائة بجبل حاميم المشتهر به قريبا من تطوان واجتمع إليه كثير منهم وأقروا بنبوته وشرع لهم الشرائع والديانات من العبادات والأحكام وصنع لهم قرآنا كان يتلوه عليهم بلسانه فمن كلامه:
يا من يخلى البصر ينظر في الدنيا خلني من الذنوب يا من أخرج موسى من البحر آمنت بحاميم وبأبيه أبي خلف من الله وآمن رأسي وعقلي وما يكنه صدري وما أحاط به دمي ولحمي وآمنت تبانعنت عمة حاميم أخت أبي خلف من الله وكانت كاهنة ساحرة إلى غير هذا وكان يلقب المفتري وكانت أخته دبو ساحرة كاهنة وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط وقتل في حروب مصمودة بأحواز طنجة سنة خمسة عشر وثلثمائة وكان لابنه عيسى من بعده قدر جليل في غمارة ووفد على الناصر ورهطهم بنو زحفوا مواطنون وادي لاو ووادي راس قرب تطوان وكذلك تنبأ منهم بعد ذلك عاصم بن جميل اليزدجومي وله أخبار مأثورة وما زالوا يفعلون السحر لهذا العهد.
وأخبرني المشيخة من أهل المغرب أن أكثر منتحلي السحر منهم النساء العواتق.
قال: ولهم علم استجلاب روحانية ما يشاؤنه من الكواكب فاذا استولوا عليه وتكنفوا بتلك الروحانية تصرفوا منها في الأكوان بما شاؤا والله أعلم.

.الخبر عن دولة الادارسة وهي غمارة وتصاريف أحوالهم.

كان عمر بن إدريس عندما قسم محمد بن إدريس أعمال المغرب بين إخوته برأي جدته كثيرة أم إدريس اختص منها بتكيباس وترغه وبلاد صنهاجة وغمارة واختص القاسم بطنجة وسبتة والبصرة وما إلى ذلك من بلاد غمارة ثم غلب عمر عليها عندما تنكر له أخوه محمد واستضافها إلى عمله كما ذكرنا في أخبارهم.
ثم تراجع بنو محمد بن القاسم من بعد ذلك إلى عملهم الأول فملكوه واختص منهم محمد بن إبراهيم بن محمد ين القاسم قلعة حجر النسر الدانية وسبتة معقلا لهم وثغرا لعملهم وبقيت الإمارة بفاس وأعمال المغرب في ولد محمد بن إدريس ثم أدالوا منهم بولد عمر بن إدريس وكان آخرهم يحيى بن إدريس بن عمر وهو الذي بايع لعبيد الله الشيعي على يده مصالة بن حبوس قائده وعقد له على فاس ثم نكبه سنة تسع وثلثمائة.
وخرج عليها سنة ثلاث عشرة وثلثمائة من بني القاسم الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس وتلقب الحجام لطعنه في المحاجم وكان مقداما شجاعا وثار أهل فاس بريحان وملكوا الحسن وزحف إليه موسى ففله ومات.
واستولى ابن أبي العافية على فاس وأعمال المغرب وأجلى الأدارسة وأحجرهم بحصنهم حجر النسر وتحيزوا إلى جبال غمارة وبلاد الريف وكان لغمارة في التمسك بدعوتهم آثار ومقامات واستجدوا بتلك الناحية ملكا توزعوه قطعا كان أعظمها لبني محمد هؤلاء ولبني عمر بتيكيسان ونكور وبلاد الريف.
ثم سما الناصر عبد الرحمن إلى ملك العدوة ومدافعة الشيعة فنزل له بنو محمد عن سبتة سنة تسع وثلثمائة وتناولها من يد الرضي بن عصام رئيس محكسة وكان يقيم فيها دعوة الأدارسة فأفرجوا له عنها ودانوا بطاعته وأخذها من يده.
ولما أغزا أبو القاسم ميسورا إلى المغرب لمحاربة ابن أبي العافية حين نقض طاعتهم ودعا للمروانية وجد بنو محمد السبيل إلى الانتصار والانتقام منه بمظاهرة ميسور عليه ومالأهم على ذلك بنو عمر صاحب نكور.
ولما استقل ابن أبي العافية من نكسته ورجع من الصحراء سنة خمس وعشرين وثلثمائة منصرف ميسور من المغرب نازل بني محمد وبني عمرو هلك بعد ذلك وأجاز الناصر وزيره قاسم بن محمد بن طملس سنة ثلاث وثلاثين لحربهم وكتب إلى ملوك مغراوة محمد بن خزر وابنه الخير بمظاهرة عساكره مع ابن أبي العيش عليهم فتسارع أبو العيش بن إدريس بن عمر المعروف بابن وصالة إلى الطاعة وأوفد رسله إلى الناصر فعقد له الأمان وأوفد ابنه محمد بن أبي العيش مؤكدا للطاعة فاحتفل لقدومه وأكد له العقد وتقبل سائر الادارسة من بني محمد مذهبهم وسألوا مثل سؤالهم فعقد لجميع بني محمد أيضا وكان وفد منهم محمد بن عيسى ابن أحمد بن محمد والحسن بن القاسم بن إبراهيم بن محمد وكان بنو إدريس يرجعون في رياستهم إلى بني محمد هؤلاء منذ استبد بها آخرهم الحسن بن محمد الملقب بالحجام في ثورته على ابن أبي العافية فقدموا على أنفسهم القاسم بن محمد الملقب بكنون بعد فرار موسى بن أبي العافية وملك بلاد المغرب ما عدا فاس مقيما لدعوة الشيعة إلى أن هلك بقلعة حجر النسر سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وقام بأمرهم من بعده أبو العيش أحمد بن القاسم كنون وكان فقيها عالما بالأيام والأخبار شجاعا ويعرف بأحمد الفاضل وكان منه ميل للمروانية فدعا للناصر وخطب له على منابر عمله ونقض طاعة الشيعة وبايعه أهل المغرب كافة إلى سجلماسة.
ولما بايعه أهل فاس استعمل عليهم محمد بن الحسن ووفد محمد بن أبي العيش بن إدريس بن عمر بن مصالة على الناصر عن أبيه سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة فاتصل به وفاة أبيه وهو بالحضرة فعقد له الناصر على عمله وسرحه وهجم عيسى ابن عمه أبي العيش أحمد بن القاسم كنون على عمله بتيكيسان في غيبة محمد فملكها واحتوى على مال ابن مصالة ولما أقبل محمد من الحضرة زحف برابرة غمارة إلى عيسى المذكور ابن كنون ففظعوا به وأثخنوه جراحة وقتلوا أصحابه ببلاد غمارة.
وأجاز الناصر قواده إلى المغرب وكان أول من أجاز إلى بني محمد هؤلاء سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة أحمد بن يعلى من طبقة القواد أجازه إليهم في العساكر ودعاهم إلى هدم تطوان فامتنعوا ثم انقادوا وتنصلوا وأجابوا إلى هدمها ورجع عنهم فانتقضوا فسرح إليهم حميد بن يصل المكناسي في العساكر سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وزحفوا إليه بوادي لاو فأوقع بهم فأذعنوا من بعدها وتغلب الناصر على طنجة من يد أبي العيش أمير بني محمد وبقي يصل على بيعة الناصر.
ثم تخطت عساكر الناصر إلى بسائط المغرب فأذعن له أهله وأخذ بدعوته فيه أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة كما ذكرناه فضعف أمر بني محمد واستأذنه أميرهم أبو العيش في الجهاد فأذن له وأمر ببناء القصور له في كل مرحلة من الجزيرة إلى الثغر فكانت ثلاثين مرحلة فأجاز أبو العيش واستخلف على عمله أخاه الحسن بن كنون وتلقاه الناصر بالمبرة وأجرى له ألف دينار في كل يوم وهلك شهيدا في مواقف الجهاد سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ولما أغزا معد قائده جوهرا الكاتب إلى المغرب واستنزل عماله وتحصن الحسن بن كنون منه بقلعة النسر معقلهم وبعث إليه بطاعته فلم يعرض له جوهر ولما قفل من المغرب راجع الحسن الطاعة للناصر إلى أن هلك سنة خمسين وثلثمائة فأشحذ الحكم عزمه في سد ثغور المغرب وإحكام دعوتهم فيه وشحذ لها عزائم أوليائهم من ملوك زناتة فكان بينهم وبين زيري وبلكين ما ذكرناه ثم أغزى معد بلكين بن زيري المغرب سنة اثنتين وستين وثلثمائة أولى غزواته فأثخن في زناتة وأوغل في ديار المغرب وقام الحسن بن كنون بدعوة الشيعة ونقض طاعة المروانية فلما انصرف بلكين أجاز الحكم عساكره إلى العدوة مع وزيره محمد بن قاسم بن طلمس سنة اثنتين وستين وثلثمائة لقتال الحسن بن كنون وبني محمد فكان الظهور والفلاح للحسن على عسكر الحكم وقتل قائده محمد بن طملس وخلقا كثيرا من عسكره وأوليائه ودخل فلهم إلى سبتة واستصرخوا الحكم فبعث غالبا مولاه البعيد الصيت المعروف بالشهامة وأمده بما يعينه على ذلك من الأموال والجنود وأمره باستنزال الأدارسة وأجاز بهم إليه وقال سريا غالب مسير من لا إذن له في الرجوع إلا حيا منصورا أو ميتا معذورا واتصل خبره بالحسن بن كنون فأفرج عن مدينة البصرة واحتمل منها أمواله وحرمه وذخيرته إلى حجر النسر معقلهم القريب من سبتة ونازله غالب بقصر مصمودة فاتصلت الحرب بينهم أياما ثم بث غالب المال في رؤساء البربر من غمارة ومن معه من الجنود وفروا وأسلموه وانحجز بقلعة جبل النسر ونازله غالب وأمده الحكم بعرب الدولة ورجال الثغور وأجازهم مع وزيره صاحب الثغر الأعلى يحيى بن محمد بن إبراهيم التجيبي فيمن معه من أهل بيته وحشمه سنة ثلاث وستين وثلثمائة فاجتمع مع غالب على القلعة واشتد الحصار على الحسن وطلب من غالب الأمان فعقد له وتسلم الحصن من يده ثم عطف على من بقي من الأدارسة ببلاد الريف فأزعجهم وسيرهم شردا واستنزل جميع الأدارسة من معاقلهم وسار إلى فاس فملكها واستعمل عليها محمد بن علي بن قشوش في عدوة القرويين وعبد الكريم بن ثعلبة الجذامي في عدوة الأندلس.
وانصرف غالب إلى قرطبة ومعه الحسن بن كنون وسائر ملوك الأدارسة وقد مهد المغرب وفرق عماله في جهاته وقطع دعوة الشيعة وذلك سنة أربع وستين وثلثمائة وتلقاهم الحكم وأركب الناس للقائهم وكان يوم دخولهم إلى قرطبة أحفل أيام الدولة وعفا عن الحسن بن كنون ووفى له بالعهد وأجزل له ولرجاله العطاء والخلع والجعالات وأوسع عليه الجراية وأسنى لهم الأرزاق ورتب من حاشيتهم في الديوان سبعمائة من أنجاد المغاربة ونجنى عليه بعد ثلاث سنين بسؤاله من الحسن قطعة عنبر عظيمة تأدت إليه من بعض سواحل عمله بالمغرب أيام ملكه فاتخذ منها أريكة يرتفقها ويتوسدها فسأله حملها إليه على أن يحكمه في رضاه فأبى عليه مع سعاية بني عمه فيه عند الخليفة وسوء خلق الحسن ولجاجته فنكبه واستصفى ما لديه من قطعة العنبر وسواها.
واستقام المغرب للحكم وتظافر أمراؤه على مدافعة بلكين وعقد الوزير المنصوري لجعفر بن علي على المغرب واسترجع يحيى بن محمد بن هاشم وغرب الحسن بن كنون الأدراسة جميعا إلى المشرق استثقالا لنفقاتهم وشرط عليهم أن لا يعودوا فعبروا البحر من المرية سنة خمس وستين وثلثمائة ونزلوا من جوار العزيز معد بالقاهرة خير نزل وبالغ في الكرامة ووعد بالنصرة والترة ثم بعث الحسن بن كنون إلى المغرب وكتب له آل زيري بن مناد بالقيروان بالمظاهرة فلحق بالمغرب ودعا لنفسه وبعث المنصور بن أبي عامر العساكر لمدافعته فغلبوه وتقبضوا عليه وأشخصوه إلى الأندلس فقتل في طريقه كما ذكرناه في أخبارهم.
وانقرض ملك الأدراسة من المغرب أجمع إلى أن كان رجوع الأمر لبني حمود منهم غمارة وسبتة وطنجة كما نذكره إن شاء الله تعالى.